أمّ النخيل – إلى أمي .. الهفوف
****
يقول غازي القصيبي:
أتذكُرينَ صبيّا عادَ مُـكتهلا
مسربلاً بعذابِ الكونِ .. مُشتملا؟
أشعاره هطلتْ دمعاً … وكم رقصتْ
على العيونِ ، بُحيراتِ الهوى ، جَذلا
هُفوفُ! لو ذقتِ شيئاً من مواجعهِ
وسّدتِهِ الصدرَ .. أو أسكنتِه الخُصَلا
طال الفراقُ.. وعذري ما أنوءُ بهِ
يا أمّ! طفلُكِ مكبولٌ بما حَمَلا
لا تسألي عن معاناةٍ تمزّقني
أنا اخترعتُ الظما.. والسُّهدَ.. والملَلا
هل تغفرينَ؟ وهل أمٌّ وما نثرتْ
على عقوقِ فتاها الحبَّ والقُـبُـلا
****
ترد دياره الأحساء:
نعم .. حبيبَ فؤادي، مانستُكَ .. لا
أ لستَ ((غازيَ))،من أسكنتُهُ المُقَلا ؟
غازي .. أثرت شجوني .. حينما نُقشت
على فؤادي حروفٌ .. تطردُ العِللا !
لم تكتهل أنت! كلا .. لم تزل عَلماً
تزدادُ خفقاً على جمارتي ثمِلا
لم يكتهل من همى شعراً .. يدغدغني
(العمر بالفكر .. بالحُب الذي إشتعلا)
عواصم الشعر يا (غازي) تشاطرني
ألفيتهم أكثروا الأقوالَ والجدلا
تنازعوا فيكَ .. كلٌ يدعي نسباً
كلٌ يريدكَ يا غازي له بطلا
****
غازي القصيبي:
ضربتُ في البحرِ .. حتى عدتُ منطفئاً
وغصتُ في البرّ.. حتى عدتُ مشتعلا
أظما .. إذا منعتني السحبُ صيِّـبَـها
أحفى .. إذا لم تُردني الريحُ مُنتعلا
ويستفزُّ شراعي الموجُ … يلطمُهُ
كأنّه من دمِ الطوفانِ ما غُزلا
ورُبَّ أوديةٍ .. بالجنِّ صاخبةٍ
سريتُ لا خائفاً فيها … ولا عَجِلا
تجري ورائي ضباعُ القفرِ .. عاويةً
والليثُ يجري أمامي .. يرهبُ الأجَلا
كأنّما قلقُ الجُعْفيّ .. يسكنني
هذا اللي شَغَلَ الدنيا .. كما شُغِلا
****
الأحساء:
أنا التي .. قد لزمتُ الصمتَ من زمنٍ
حتى أتاني الوفا .. لم أفقدِ الأملا
أنا التي .. لم أزل للشعر عاصمةً
ونجم إبداع شِعري شعَ ..ما أفلا !!
أنا مدينة أهل الشعرِ من قِدَمٍ
مروجي الخضرُ إلهامٌ لمن رحلا
و دولةُ الشعر .. يا غازي ترشحني:
أني لها واحةٌ فاحت بها مُثُلا
****
غازي القصيبي:
يا أمُّ عانيتُ أهوالاً .. وأفجعُها
مكيدةُ الغدرِ في الظلماءِ مُختتِلا
ألقى الكُماةَ بلا رُعبٍ .. ويُفزِعُني
هجرُ الحبيبِ الذي أغليتُهُ .. فسَلا
أشكو إليكِ حسانَ الأرضِ قاطبةً
عشقتهنّ .. فكانَ العشقُ ما قََتَلا
يا أمُّ ! جرحُ الهوى يحلو .. إذا ذكرتْ
روحي مرارةَ شَعبٍ يرضَعُ الأَسَلا
يفدي الصغارُ بنهرِ الدمِّ مَقدسنا
مالي أقلّبُ طرفي .. لا أرى رجلا ؟!
أرى الجماهيرَ .. لكن لا أرى الدُوَلا
أرى البطولة .. لكن لا أرى البطلا
أين الكرامةُ .. هل ماتتْ بغُصّتِها ؟
أين الإباءُ .. أملَّ الجُبْنَ .. فارتحلا ؟
هاتِ الفؤادَ الذي ثارَ اليقينُ بهِ
واقذفْ بيَ النصرَ .. أو فاقذف بيَ الأجَلاَ
****
الأحساء:
أنا التي خصني التاريخ مفتخراً
بأروع الصفحاتِ البيض مُحتفِلا
وفدي المسالمُ من دونِ القتالِ .. أتى
وقد سما الوفدُ بالإيمان .. مذ وصلا
أتوا رسول الهُدى .. بالبشرِ قابلهم
تسابقوا نحوهُ .. كلٌ لهُ بذلا
أثنى على (المنذر) السباق من هَجرٍ
لما أتاهُ بوفدٍ ..أكرِموا نُزُلا
وثغرُ أزهار حِلمي .. فاحَ من زمنٍ
باهى به المصطفى للوفد، إذ دخلا
وفي ثرايَ .. زرعتُ الصبر مفخرةً
والطيبُ يشدو بحبِ الناسِ مُرتجِلا
كم من مُقيمٍ على أرضي .. يفضلُني
لا يرتضي غير واحاتي له بدلا
أصبحتُ أماً له .. أرعى مسيرتَهُ
أُكفكِفُ الدمعَ عن عينيه .. إذا نزلا
أنا (الأحساء) ..وكلُ الناسِ ..تعرفُني
سلوا نديمي بأجواءِ السما زُحَلا
قد قال عني ((أبو سعدٍ)) يغازِلُني:
((إني أنا الروحُ للدُنيا ..)) أزيدُ غلا
وبي تغنى ((إبن زهرانينا حسنٌ))
((الحسنُ نحوَ الحسا .. قد شدَ مرتحِلا))
****
غازي القصيبي:
أمَّ النخيل ! … هبيني نخلةً ذَبُلتْ
هل ينبتُ النخلُ غضّاً بعد أن ذَبـُلا ؟!
يا أمُّ .. رُدّي على قلبي طفولَته
وأرجعي لي شباباً ناعماً أفِلا
وطهّري بمياهِ العينِ .. أوردتي
قد ينجلي الهمُّ عن صدري إذا غُسـِلا
هاتي الصبيَّ … ودُنياه .. ولُعبـَتـَه
وهاكِ عُمري … وبُـقيا الروحِ والمُـقَلاَ
****
الأحساء:
يا أيها البلبلُ الصداحُ .. أطربني
تغريدُكَ الآسِرُ الرنانُ مشتعِلا
((أبا سُهيلٌ)) خصصتَ الأم مفتخِراً
بدرةِ ..أكثرت في وجهي القُبلا
ياليتني أسمعُ الأبياتَ منشدةٌ
ممن تكرم في تدبيجُها .. غزلا
ياليتني .. لم أُشاهدُها على ..الصُحُفِ
حُرِمتُ من شدوِ ((غازي)) باسماً ..جذلا
أصغي إليهِ قُبيل النشرِ .. مُنصِتةٌ
فليس من قالَ ! ..كالرائي الذي إنفعلا
ياليتُهُ قد أتاني .. تلك أُمنيةٌ
فهل تحققُ؟ .. أم تأتي الإجابةُ: لا !
ستمون عاماً .. مضت في ذِكراها عبقٌ
بسيرةٍ .. قد بنت قدامه جبلا
أرضعتُهُ من زلال الماء .. في هَجَرٍ
حتى تحول في أشعارِهِ .. عسلاً
فطمتُهُ وهو في عهد الصِبا .. فطِنٌ
والمرضعاتِ أكتست من حولِهُ حُللا
شد الرحالَ الى البحرين مرتمياً
بحضنِها ..يُكمِلُ المكتوبَ ممتثِلا
ورحلةُ الحب .. مازالت تطوفُ بهِ
بين الوِزاراتِ .. مشكوراً بما فعلا
((لندنٌ)) .. قد تاقت لمقدمِهِ
أمسى سفيراً .. ((وطابت دولتي أُكُلا))
****
****